عقد المعتصم للأفشين حيدر بن كاوس على الجبال، ووجهه لحرب بابك الخرمي، فسار إليه، وكان ابتداء خروج بابك سنة إحدى ومائتين، ثم إن الأفشين سار إلى بلاد بابك، فنزل برزند، وعسكر بها وضبط الطرق والحصون فيما بينه وبين أردبيل، وأنزل محمد بن يوسف بموضع يقال له خش، فحفر خندقا وأنزل الهيثم الغنوي برستاق أرشق، فأصلح حصنه، وحفر خندقه، وأنزل علويه الأعور، من قواد الأبناء، في حصن النهر مما يلي أردبيل، فكانت القوافل تخرج من أردبيل ومعها من يحميها، حتى تنزل بحصن النهر، ثم يسيرها صاحب حصن النهر إلى الهيثم الغنوي، فيلقاه الهيثم بمن جاء إليه من ناحية في موضع معروف لا يتعداه أحدهم إذا وصل إليه، فإذا لقيه أخذ ما معه، وسلم إليه ما معه، ثم يسير الهيثم بمن معه إلى أصحاب أبي سعيد، فيلقونه بمنتصف الطريق، ومعهم من خرج من العسكر، فيتسلمون ما مع الهيثم ويسلمون إليه ما معهم، وإذا سبق أحدهم إلى المنتصف لا يتعداه، ويسير أبو سعيد بمن معه إلى عسكر الأفشين، فيلقاه صاحب سيارة الأفشين، فيتسلمهم منه، ويسلم إليه من صحبه من العسكر، فلم يزل الأمر على هذا.

وكانوا إذا ظفروا بأحد من الجواسيس حملوه إلى الأفشين، فكان يحسن إليهم، ويهب لهم، ويسألهم عن الذي يعطيهم بابك، فيضعفه لهم، ويقول لهم: كونوا جواسيس لنا فكان ينتفع بهم.


وجه المعتصم بغا الكبير إلى الأفشين، ومعه مال للجند والنفقات، فوصل أردبيل، فبلغ بابك الخبر، فتهيأ هو وأصحابه ليقطعوا عليه قبل وصوله إلى الأفشين، فجاء جاسوس إلى الأفشين، فأخبره بذلك، فلما صح الخبر عند الأفشين كتب بغا أن يظهر أنه يريد الرحيل، ويحمل المال على الإبل، ويسير نحوه، حتى يبلغ حصن النهر، فيحبس الذي معه، حتى يجوز من صحبه من القافلة، فإذا جازوا رجع بالمال إلى أردبيل.

ففعل بغا ذلك، وسارت القافلة، وجاءت جواسيس بابك إليه، فأخبروه أن المال قد سار فبلغ النهر، وركب الأفشين في اليوم الذي واعد فيه بغا عند العصر، من برزند، فنزل خارج خندق أبي سعيد، فلما أصبح ركب سرا ورحلت القافلة التي كانت توجهت ذلك اليوم من النهر إلى ناحية الهيثم، وتعبى بابك في أصحابه، وسار على طريق النهر، وهو يظن أن المال يصادفه، فخرجت خيل بابك على القافلة، ومعها صاحب النهر، فقاتلهم صاحب النهر، فقتلوه، وقتلوا من كان معه من الجند، وأخذوا جميع ما كان معهم، وعلموا أن المال قد فاتهم، وأخذوا علمه ولباس أصحابه، فلبسوها وتنكروا ليأخذوا الهيثم الغنوي ومن معه أيضا ولا يعلمون بخروج الأفشين، وجاؤوا كأنهم أصحاب النهر، فلم يعرفوا الموضع الذي يقف فيه علم صاحب النهر، فوقفوا في غيره وجاء الهيثم فوقف في موضعه، وأنكر ما رأى، فوجه ابن عم له، فقال له: اذهب إلى هذا البغيض فقل له: لأي شيء وقوفك؟ فجاء إليهم فأنكرهم، فرجع إليه فأخبره، فأنفذ جماعة غيره، فأنكروهم أيضا وأخبروه أن بابك قد قتل علويه، صاحب النهر، وأصحابه، وأخذ أعلامهم ولباسهم، فرحل الهيثم راجعا ونجت القافلة التي كانت معه، وبقي هو وأصحابه في أعقابهم حامية لهم حتى وصلت القافلة إلى الحصن، وسير رجلين من أصحابه إلى الأفشين وإلى أبي سعيد يعرفهما الخبر، ودخل الهيثم الحصن، ونزل بابك عليه، وأرسل إلى الهيثم أن خل الحصن وانصرف، فأبى الهيثم ذلك، فحاربه بابك وهو يشرب الخمر على عادته والحرب مشتبكة، وسار الفارسان، فلقيا الأفشين على أقل من فرسخ، وأجرى الناس خيلهم طلقا واحدا حتى لحقوا بابك وهو جالس، فلم يطق أن يركب، حتى وافته الخيل، فاشتبكت الحرب، فلم يفلت من رجالة بابك أحد، وأفلت هو في نفر يسير من خيالته، ودخل موقان وأقام بها فلما كان في بعض الأيام مرت قافلة، فخرج عليها أصبهنذ بابك، فأخذها وقتل من فيها، فقحط عسكر الأفشين لذلك، فكتب الأفشين إلى صاحب مراغة بحمل الميرة وتعجيلها، فوجه إليه قافلة عظيمة، ومعها جند يسيرون بها فخرج عليهم سرية لبابك، فأخذوها عن آخرها وأصاب العسكر ضيق شديد، فكتب الأفشين إلى صاحب شيروان يأمره أن يحمل إليه طعاما، فحمل إليه طعاما كثيرا وأغاث الناس، وقدم بغا على الأفشين بما معه.


غضب المعتصم على الفضل بن مروان بعد المكانة العظيمة التي كانت له، وعزله عن الوزارة وحبسه وأخذ أمواله، وجعل مكانه محمد بن عبدالملك بن الزيات، فكان المعتصم يقول: عصى الله وأطاعني، فسلطني الله عليه.